X

تابعونا على فيسبوك

مندوبية التخطيط تقدم تقريرا مفصلا حول السكان والتنمية "نص التقرير كاملا"

الأربعاء 30 أكتوبر 2019 - 16:45
مندوبية التخطيط تقدم تقريرا مفصلا حول السكان والتنمية

قدمت المندوبية السامية للتخطيط مذكرة تركيبية مفصلة حول اللقاء الذي تم تنظيمه اليوم الأربعاء 30 أكتوبر الجاري بالرباط لتقديم عرضالتقرير الوطني حول السكان والتنمية خمس وعشرون سنة بعد مؤتمر القاهرة 1994. 

وتضمنت المذكرة مجموعة من النقاط المتعلقة بموضوع السكن والتنمية، بعد مرور 25 سنة على مؤتمر القاهرة 1994، وإليكم نص المذكرة :   

في إطار أشغال التقييم المنتظم لخطة عمل المؤتمر الدولي حول السكان والتنمية المنعقد بالقاهرة سنة 1994، أعدت المندوبية السامية للتخطيط التقرير الوطني الخامس حول السكان والتنمية، والذي يعرض منجزات بلدنا في هذا المجال خلال الخمس سنوات الأخيرة. فبعد إنجاز هذا التقرير بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، تم إرساله للقطاعات الوزارية المختصة قصد إغنائه. هذا التقرير شكل أسس مختلف مشاركات المندوبية السامية للتخطيط على المستوى الدولي خصوصا في الاجتماع الأول لوزراء الاتحاد الإفريقي المكلفين بالسكان في إطار مجموعة عمل اللجنة التقنية المتخصصة في الصحة، والسكان، ومراقبة المخدرات المنعقد أيام 4 و 5 أكتوبر 2018 بأكرا  ء غانا، والمؤتمر الإقليمي حول السكان والتنمية المنعقد من 30 أكتوبر إلى فاتح نوفمبر 2018 ببيروت – لبنان.

التأطير الزمني

إن الفترة التي يتناولها هذا التقرير الوطني، تتميز خصوصا بتتويج العودة المؤسساتية للمغرب إلى أسرته الإفريقية، بعدما كان أحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد الإفريقي. مما سيمكن المغرب من لعب دور محوري أكبر خدمة لتنمية قارتنا، وفق صيغ تعاون رابحءرابح. هذا الالتزام ما فتئ أن تُرجم إلى عرض المغرب لاستضافة مقر المرصد الإفريقي للهجرة وتقاسم خبراته في هذا المجال.

لقد اعتبر المغرب لفترة طويلة بلد هجرة قبل أن يصبح، تدريجيا، بلد عبور نحو الشمال خلال العشرين سنة الماضية. في الآونة الأخيرة، أصبح بلد استقبال لآلاف المهاجرين، ولاسيما من جنوب الصحراء والعرب، الذين قدموا إما بإرادتهم الحرة أو أجبرتهم الظروف الاقتصادية أو السياسية الصعبة لبلدانهم أو بحثاً عن مستقبل أفضل.

في هذا الصدد، انخرط المغرب في ورش ضخم لإصلاح استراتيجيته الوطنية للهجرة واللجوء. وتهدف هاته الاستراتيجية إلى ضمان اندماج أفضل للمهاجرين (غير القانونيين، والمسواة وضعيتهم، واللاجئين، وطالبي اللجوء، وكل شخص أجنبي في وضع هش بالمغرب) وتدبير أحسن لتدفقات الهجرة في إطار سياسة منسجمة وشاملة وإنسانية ومسؤولة. 

وهكذا، قام المغرب بعملية استثنائية لتسوية وضعية المهاجرين غير القانونيين، حيث تمت معالجة 27649 طلبًا للتسوية بين 2014 و2015. ونتيجة لذلك، تمت تسوية وضعية 23096 شخصًا، بما في ذلك القاصرين غير المصحوبين وأكثر من 10 آلاف امرأة (%83،5). وتم إطلاق مرحلة ثانية لتسوية وضعية المهاجرين غير القانونيين في 15 دجنبر 2016 تمتد لسنة واحدة. وإلى حدود تاريخ 31 دجنبر 2017، تم تقديم 28400 طلبا لتسوية الوضعية، تمثل 113 جنسية، من قبل المهاجرين غير القانونيين على مستوى 83 عمالة وإقليم بالمملكة. للإشارة، أنجزت المندوبية السامية للتخطيط بحثا ميدانيا حول الهجرة الدولية، الذي هو في طور التحليل، والذي يهدف إلى فهم جوانب الهجرة الدولية في المغرب، وسلوك المهاجرين ومحددات وعواقب الهجرة الدولية.

التعاون مع إفريقيا

في علاقة تعاونه مع إفريقيا، يمكن للمغرب أن يلهم العديد من الدول فيما يخص الانتقال الديمغرافي والذي يتواجد في مراحل متقدمة. فخلال حوالي ثلاثين سنة فقط، عرف التزايد الديمغرافي لساكنة المغرب تراجعا مهما (2،6% خلال عقد 1980 إلى فقط 1،25% حاليا) بفضل التحسن المهم التي عرفته الرعاية الطبية، الوقائية والعلاجية، وظروف المعيشة. تسارع هذا الانتقال الديمغرافي تعزز من خلال التمدن المستمر حيث  انتقل معدل التمدن من 29،1% سنة 1960 إلى 62،4% سنة 2018.

من بين أهم آثار هذا الانتقال الديمغرافي، تغيرات التركيبة الديمغرافية حسب السن لساكنة المغرب التي عرفت تحولات هيكلية كبيرة، تتمثل في ارتفاع نسبة السكان في سن النشاط   من إجمالي السكان من 49،9% سنة 1981 إلى 62،4% سنة 2014 وانخفاض النسبة للفئة العمرية أقل من 15 سنة من 45،6% من مجموع السكان سنة 1981 إلى 28،2% في 2014. أما نسبة المسنين   فقد عرفت استقرارا نسبيا خلال الخمس عقود الأخيرة، حيث انتقلت من 7،2% سنة 1960 إلى 9،4% سنة 2014. مقابل هاته الوضعية، اتجه المغرب نحو إصلاحات عميقة واستراتيجيات للتغلب على مختلف التحديات التي تواجهه.

وبالتالي، فقد اعتمد المغرب سياسة المدينة التي تتجسد في مجموعة من الإجراأت الهادفة لمكافحة جميع أشكال الإقصاء الاجتماعي و/ أو المجالي وتعزيز الاندماج الحضري لسكان الأحياء المحرومة من حيث فرص العمل، والولوج إلى خدمات وتجهيزات القرب. كما تطمح أيضا إلى تطوير مدن جديدة وذكية ومفتوحة وشاملة ومنتجة ومتضامنة ومستدامة وذلك من أجل تخفيف الضغط على المدن الكبرى. ومنذ سنة 2017، تم إطلاق جيل ثان من البرامج. ويتعلق الأمر بوضع برامج تنموية تهتم، فضلا عن البنية التحتية والتجهيزات، بإعادة هيكلة الأحياء ناقصة التجهيز، وحماية المدن من الفيضانات وخلق مشاريع اقتصادية.

على المستوى الاقتصادي، اعتمد المغرب إصلاحات رئيسية لتسريع التحول البنيوي لنظامه الإنتاجي كما يتضح من خلال الاستراتيجيات القطاعية الطموحة التي تغطي القطاعات الحيوية للاقتصاد الوطني. ويكمن هدفها في تعزيز تناسق نموذجه التنموي وجعله أكثر شمولية، لاسيما على المستوى الترابي من خلال الارتقاء بجهات المملكة لتصبح فاعلا تنمويا ومجالا لخلق الثروة ولظهور سمات تخصص تنافسي.

ولمعالجة الإكراهات المتعلقة بالتعليم وتعزيز القدرات، أعد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بعد تقييم الميثاق الوطني حول التربية والتكوين للفترة 2000ء2010، الرؤية الاستراتيجية 2015ء 2030 : "من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء". تهدف هاته الاستراتيجية، إلى تعميم التعليم الأولي الإلزامي ، وتكوين وتأهيل المدرسين، وولوج ذوي الاحتياجات الخاصة إلى التعليم، والنهوض بالمدرسة القروية، والتحسين المستمر للمردودية الداخلية للمدرسة، وتعميم التعليم الشامل والتضامني لجميع الأطفال المغاربة دون أي تمييز، وتقوية الجهود لضمان تعليم مستدام يمكن من محاربة الانقطاع والهدر المدرسي والتكرار.

مجالات التقدم

وقد أحرز المغرب أيضا تقدما مهما في المجال الصحي. فقد شهد معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة انخفاضا كبيرا منتقلا من 76،1‰ ما بين 1987ء1991 إلى 27‰ ما بين 2011ء2018 وذلك بفضل تضافر عدة برامج، نذكر من بينها على وجه الخصوص البرنامج الوطني للتلقيح، والبرنامج الوطني لمكافحة الأمراض المصاحَبة بالإسهال، وبرنامج النقص في المغذيات الدقيقة، وتعزيز تغذية الرضع وخاصة عبر الرضاعة الطبيعية. كما انخفض كذلك معدل وفيات الأمهات بشكل ملحوظ (227 حالة وفاة أم من بين 100000 ولادة حية ما بين 1985ء1991 إلى 27،6 في سنة 2017)، ولكن لا تزال هناك تفاوتات بين وسطي الإقامة وبين الجهات. وتتلخص الإكراهات، من بين أمور أخرى، في عدم تغطية الوسط القروي بشكل كاف بالبنية التحتية للعلاجات وبالأطر، وفي الفقر والأمية وظروف النظافة السيئة في محيط العيش.

وبالأخذ بعين الاعتبار كل هاته الإكراهات، تسعى استراتيجية 2017ء2021 تعزيز الاستراتيجيات السابقة، و خصوصا إلى تخفيض الحصة التي تتحملها الأسر في تمويل الصحة وإلى التكفل، بشكل كبير أو كليا، بمصاريف الأمراض طويلة الأمد.

كل هاته المجهودات المبذولة تتعزز أكثر من خلال حكامة جيدة والتي تعد واحدة من ركائز المشروع المجتمعي المغربي الذي رسم جلالة الملك معالمه في مختلف خطاباته، والذي يستهدف مجتمعا حديثا، شاملا ومستداما، قائما على دولة القانون، والديمقراطية التشاركية والمساءلة. تكمن الغاية الكبرى لهذا المشروع في خلق الظروف المواتية لبروز نموذج جديد للتنمية يمكن أن تجد فيه جميع مكونات المجتمع مكانها، للمساهمة في الجهد الوطني لخلق الثروة، المادية واللامادية، وللاستفادة منها. لتكريس هذا المشروع المجتمعي، شرعت السلطات العمومية في مجموعة من الإصلاحات الهيكلية، يشكل فيها الإصلاح الدستوري حجر الزاوية.

المصادقة على القوانين

وقد تمت ترجمة تنفيذ مقتضيات الدستور المتعلقة بالحكامة الجيدة من خلال مصادقة السلطات العمومية على مجموعة من القوانين التنظيمية والنصوص القانونية التي تهم إحداث هيئات مكلفة بالحكامة أو تسهيل التنزيل الفعلي لمبادئ الديمقراطية التشاركية أو أيضا توسيع ولوج السكان إلى مختلف الحقوق المدنية والسياسية والسوسيوأقتصادية والثقافية. وقد ركزت مبادرات أخرى اعتمدتها الدولة، من جهة، على إصلاح القضاء والإدارة العمومية ومناخ الأعمال، ومن جهة أخرى، على إعداد وتعزيز خطط استراتيجية جديدة، قطاعية أو أفقية، تساهم في التنزيل الفعلي لحقوق الإنسان، ولاسيما منها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

ومن أجل تعزيز الحكامة الإدارية، تم وضع استراتيجية وطنية لتحديث الإدارة 2014ء2021، ترتكز على محاور تهم تحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن، وتثمين رأس المال البشري، وتقوية آليات الحكامة والتنظيم.

أما في مجال إنتاج ونشر المعلومات الإحصائية حول السكان، تم اتخاذ عدة إجراأت. يتعلق الأمر بالخصوص بتوسيع نطاق التغطية الجغرافية للعمليات الإحصائية، وبالجهود الملموسة في مجال تطوير الإحصائيات الإدارية القطاعية، وباستخدام التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال في مختلف العمليات الإحصائية المتعلقة بجمع المعطيات ومعالجتها ونشرها على المستوى الداخلي والخارجي.

ومن أجل تحسين حكامة النظام الإحصائي الوطني، قدمت المندوبية السامية للتخطيط مشروع القانون رقم 109.14 الخاص بالنظام الإحصائي الوطني والذي يحدد المبادئ الأساسية التي تنظم الإحصاأت الرسمية والإطار القانوني الذي ينطبق على جمعها ومعالجتها وحفظها ونشرها، ويحدد المهمة الموكلة إلى النظام الإحصائي الوطني وتكوينه، فضلا عن إحداث مجلس وطني للإحصاء.

لكن، رغم مختلف هاته الإجراأت السياسية التي كان لها بالتأكيد تأثير مباشر أو غير مباشر على ساكنة المغرب، فإنه يتعين بدل مزيد من الجهود من أجل مواكبة التغيرات التي تعرفها ديمغرافية البلاد والتأهب لتلك المتوقعة في مستقبل قريب. فابتداء من الفترة 2005ء2010، يُظهر تطور نسبة الإعالة استقرارا في حدود 60%. بعبارة أخرى، يتكفل كل شخص نشيط بأقل من شخص واحد غير نشيط. وسوف ينخفض هذا الفارق الإيجابي بمرور الوقت ليؤدي إلى ارتفاع في هذه النسبة ابتداء من الفترة 2035ء2040 قبل أن يصل إلى 70 شخصا غير نشيط لكل 100 شخص نشيط في أفق 2050.

إكراهات الاقتصاد الوطني

إن الاقتصاد الوطني مطالب  بتحول بنيوي أكبر من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة من السكان في سن النشاط والتي تتزايد بمعدل 400 ألف شخص سنويا، بينما، فقط 47% من هؤلاء السكان يلجون سوق العمل، مما يشير إلى مشكلة عدم النشاط، وخاصة بين الشباب والتي ينبغي أن تعتبر مصدر انشغال من أجل الحفاظ على التماسك والاستقرار الاجتماعيين.

إن ضعف الانتفاع من الهبة الديمغرافية ينعكس خصوصا في البطالة، لاسيما لحاملي الشهادات. فقد وصل معدل البطالة لهاته الفئة إلى 18% وتتجه هاته البطالة إلى أن تدوم مدة طويلة. ففي الواقع، 51،03% من الأفراد الحاصلين على شهادة جامعية من الكليات لديهم مدة بطالة طويلة (أكثر من 12 شهرا)، يليهم من لديهم شهادة ثانوية بنسبة 42،65%، في حين أن 86،7% من الأفراد الذين ليس لا يتوفرون على أي شهادة فمدة بطالتهم أقصر (أقل من ستة أشهر).

ومن أجل الاستفادة من هذه الهبة التي تُعرض بالمغرب، فإنه يجب بدل جهود خصوصا من خلال تنويع النسيج الإنتاجي، على أساس تثمين المزايا النسبية مع ظهور تخصصات جديدة (إعادة التوطين). هذا التنويع يظل عنصرا هاما في هذه المعادلة والتي يجب أن تقترن بجهد لتكييف البنيات الإنتاجية والإطار المؤسساتي لمتطلبات اختيار الانفتاح في سياق عولمة متسارعة. ولا يمكن أن يكون لهذه الجهود أي تأثير دون تثمين رأس المال البشري من خلال تكوين يتماشى مع التشغيل، ويوفّق بين تحديات التنافسية وتحسين مستوى معيشة السكان والسماح بالتنمية الشاملة للحد من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والترابية وذلك قبل أن تتنامى التحديات المستقبلية المتعلقة بالشيخوخة.


إقــــرأ المزيد