X

تابعونا على فيسبوك

تقارير مجلس "جطو".. بين رصد التجاوزات الخطيرة وصرخات حماة المال العام بمتابعة المتورطين في الاختلاسات

الثلاثاء 17 شتنبر 2019 - 11:31
تقارير مجلس

فهد صديق

بحكم المهمة التي خولها له الدستور المغربي كمؤسسة دورها المساهمة الفعالة في عقلنة تدبير الأموال العامة، يقدم المجلس الأعلى للحسابات الذي يترأسه "إدريس جطو"، الوزير الأول السابق، ككل سنة تقريرا مفصلا عن عمل مختلف المؤسسات الإدارية بالمملكة، حيث يدقق في حساباتها ويعدد نواقصها ويرص إختلالاتها وتجاوزاتها، وقد تضمن برسم 2018 بيانا عن جميع أنشطة المجلس والمجالس الجهوية وكذا المحاكم المالية، والذي رفع إلى جلالة الملك محمد السادس، وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 148 من الدستور، والمادة 100 من القانون رقم 99.62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية. كما أنجز المجلس، تقريرين يخص الأول منهما فحص مستندات إثبات صرف المبالغ التي تسلمتها الأحزاب السياسية برسم مساهمة الدولة في تمويل حمالتها الإنتخابية بمناسبة اقتراع 7 أكتوبر 2016 لإنتخاب أعضاء مجلس النواب، فيما يتعلق الثاني ببحث جرد مصاريف المترشحين الخاصة بحمالتهم الإنتخابية والوثائق المثبتة لها بمناسبة نفس الإقتراع.

إصادر الأحكام القضائية في حق المخالفين

وجاء في تقرير مجلس "جطو"، أنه في إطار اختصاص التدقيق والبت في الحسابات المقدمة من طرف المحاسبين العموميين، بعد القيام بالتدقيق والتحقيق اللازمين وانعقاد جلسات الحكم، تم إصدار 181 قرارا قضائيا، فيما أصدرت المجالس الجهوية للحسابات 1963 حكما، كما عرف الإختصاص الزجري للمحاكم المالية، بعد متابعة النيابة العامة للمعنيين بالأمر وسلوك كل المساطر القضائية المعمول بها، إصدار المجلس لـ15 قرارا قضائيا، وأصدرت المجالس الجهوية للحسابات 53 حكما في هذا الإطار. بينما أحالت النيابة العامة لدى المحاكم المالية 114 متابعا في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، كما أحال الوكيل العام للملك لدى المجلس الحسابات ثماني قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية على رئاسة النيابة العامة. مبرزا أنه خلال سنة 2018، تم إنجاز ما مجموعه 50 مهمة رقابية في هذا الإطار؛ همت جاهزية المغرب لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وأخرى حول المعطيات الأولية لتنفيذ ميزانية 2017، منها إنجاز أربع مهمات تهم القطاع المالي متمثلة في مراقبة تسيير صندوق الإيداع والتدبير، وتسيير فرعين تابعين له (فيبار القابضة وشركة ميدزيد)، إضافة إلى الوديع المركزي (Maroclear)، فيما نفذت المجالس الجهوية للحسابات 224 مهمة.

إنجاز المهام الرقابية بالميادن الحيوية

وأورد التقرير ذاته، أن ميدان الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات، عرف إنجاز خمس مهمات منها 4 مهمات تقييم برامج عمومية، هي مخطط "أليوتيس" وبرنامج توسيع الري وتقييم إنجازات سلسلة الزيتون وبرنامج تخليف غابات الفلين، تضاف إليها مهمة مراقبة تسيير المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA)، وأصدرت تسعة تقارير خاصة لتسع مهمات رقابية تهم بميدان الصحة، خصصت اثنتان لتقييم تدبير التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، في حين انصبت مهمة واحدة على مراقبة تدبير الوكالة الوطنية للتامين الصحي، إضافة إلى مراقبة تسيير ست بنيات استشفائية، فيما شهد ميدان التربية والتكوين، إنجاز عشر مهمات خصصت واحدة منها للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة، في حين انصبت تسعة مهمات على مؤسسات للتعليم العالي، وشملت أربع مهمات رقابية ميدان الثقافة والإتصال، تخص اثنتان شركة الإذاعة والتلفزة الوطنية، في حين همت الثالثة شركة "صورياد 2M"، أما المهمة الرابعة فتخص برنامج تشجيع الصناعة السينمائية، بينما أنجزت بميدان الطاقة والمعادن مهمة لمراقبة النشاط المعدني للمكتب الشريف للفوسفاط وأخرى لتقييم تدابير النجاعة الطاقية، مسجلا أن ثلاث مهمات أخرى شملت كلا من الملك العمومي المائي، والمؤسسات السجنية، ومركزي تسجيل السيارات بتطوان وطنجة. مشيرا إلى إنجاز المجالس الجهوية للحسابات 224 مهمة رقابية في إطار مراقبة التسيير واستخدام الأموال العمومية من طرف الجمعيات المستفيدة من الدعم العمومي، والتي تتوزع ما بين 204 جماعة، ومهمتين على مستوى مؤسستين عموميتين محليتين، ومهمتين لمراقبة استخدام الأموال العمومية، و14 مراقبة لعقود التدبير المفوض للمرافق العمومية المحلية، ومهمتان تتعلقان بمجموعتين للجماعات.

عيون قضاة "جطو" على جهات المملكة

وزاد تقرير المجلس، أنه تم على مستوى جهة الرباط - سلا - القنيطرة، إنجاز 27 مهمة لمراقبة التسيير همت ست منها مراقبة التدبير المفوض لمرفق جمع النفايات الصلبة والمماثلة والنظافة بكل من جماعات سلا والقنيطرة (قطاع الساكنية)، وتمارة والخميسات والصخيرات وتيفلت، بالإضافة إلى ست مهمات لمراقبة تسيير جماعات سيدي قاسم والرماني وتيفلت، ومراقبة تدبير المرافق والتجهيزات الجماعية لجماعة تمارة، إضافة إلى مراقبة تدبير الموارد الذاتية بنفس الجماعة، ومراقبة تسيير التعمير والمرافق الجماعية بجماعة عين العودة، ناهيك عن 15 مهمة مراقبة تسيير لجماعات أخرى، على مستوى أقاليم القنيطرة (ست جماعات)، وسيدي سليمان (أربع جماعات)، وسيدي قاسم (ثلاث جماعات)، والخميسات (جماعتان). فيما شهدت جهة البيضاء - سطات، ما مجموعه 20 مهمة رقابية، تتجلى في مهمتين لمراقبة التدبير المفوض لقطاع النظافة بكل من جماعتي البئر الجديد وأزمور، ومهمة مراقبة تدبير مرفق توزيع الماء الصالح للشرب من طرف الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء الشاوية، ومهمة مراقبة تسيير مقاطعة سيدي بليوط بالبيضاء، هذا إضافة إلى مراقبة التسيير بـ16 جماعة على مستوى أقاليم الجديدة (ست جماعات)، وسطات (خمس جماعات)، وإقليم بنسليمان (جماعتان)، وسيدي بنور (جماعتان)، وبرشيد (جماعة واحدة). 

كما تضمن أيضا خلاصات 35 مهمة رقابية أنجزها المجلس بجهة درعة - تافيلالت، وتتعلق هذه المهمات علاوة على مهمة لمراقبة تسيير جماعة الرشيدية، مراقبة استخدام الأموال العمومية من طرف جمعية الأطلس للتنمية بأكوديم ونواحيها (إقليم ميدلت)، وبمجموعة الجماعات الترابية "درعة" (إقليم زاكورة)، إضافة إلى 32 جماعة أخرى تتوزع على أقاليم الرشيدية (سبع مهمات)، وورززات (أربع جماعات)، وزاكورة (ست جماعات)، وميدلت (عشر جماعات)، وتنغير (خمس جماعات)، ناهيك عن إنجاز 29 مهمة رقابية في إطار مراقبة التسيير بجهة مراكش - آسفي، منها مراقبة التدبير المفوض للنفايات المنزلية والمماثلة لها بمدينة مراكش، إضافة إلى مراقبة التسيير على مستوى 28 جماعة تتوزع على مستوى أقاليم شيشاوة (ثماني جماعات)، والصويرة (ست جماعات)، وقلعة السراغنة (ست جماعات)، والحوز (ثلاث جماعات)، والرحامنة (ثلاث جماعات)، وآسفي (جماعة واحدة)، ومراكش (جماعة واحدة)، و16 مهمة رقابية همت التدبير المفوض لخدمات النظافة بكل من جماعتي بني ملال وخنبيفرة، بالإضافة إلى تسيير الأجهزة على مستوى أقاليم أزيلال (مجموعة جماعات الأطلسين الكبير والمتوسط)، وخريبكة (أربع جماعات)، وخنيفرة (ثلاث جماعات)، وبني ملال (جماعتان)، والفقيه بن صالح (جماعة واحدة)، وكذا مراقبة إجراءات تحسين أداء شبكة الماء الصالح للشرب من طرف الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بوجدة، ومراقبة تسيير 21 جماعة موزعة على أقاليم الناظور (ثلاث جماعات)، وفكيك (ست جماعات)، وبركان (ثلاث جماعات)، والدريوش (أربع جماعات)، ووجدة أنجاد (جماعتان)، وتاوريرت (جماعة واحدة)، وجرسيف (جماعة واحدة)، وجرادة (جماعة واحدة). فضلا عن مراقبة تدبير المساحات الخضراء بجماعة المضيق، والتدبير المفوض لمرفق جمع النفايات المنزلية بجماعة مرتيل، وجماعة جزناية بعمالة طنجة - أصيلة، وتقييم إعداد وتنفيذ المخطط الجماعي للتنمية لجماعتي بني عروس وزعرورة بإقليم العرائش، بالإضافة إلى تدبير الموارد المالية لجماعة بني بوعياش بإقليم الحسيمة.

إضافة إلى ما قام به المجلس بجهة سوس ماسة، من مراقبة التدبير المفوض لخدمات النظافة بجماعة إنزكان وخدمات النظافة وجمع النفايات ونقلها بجماعة أكادير، وكذا مرفق توزيع الماء الصالح للشرب بجماعة "وادي الصفاء" (إقليم اشتوكة آيت باها)، ومراقبة استخدام الأموال العمومية من طرف الجمعية الرياضية "أمل ماسة"، وإنجاز 14 مهمة رقابية شملت الجماعات الترابية الموزعة على مستوى أقاليم تارودانت (سبع جماعات)، وشتوكة آيت باها (ثلاث جماعات)، وطاطا (جماعة واحدة)، وعلى مستوى عمالتي إنزكان أيت ملول (جماعة واحدة)، وأكادير إداوتنان (جماعة واحدة)، كما قام المجلس لجهة كلميم - واد نون، في إطار مراقبة التسيير، بإنجاز تسع مهام رقابية لأجهزة تندرج ضمن نفوذه الترابي، ويتعلق الأمر بالجماعات الموزعة على مستوى أقاليم سيدي إفني (ست جماعات)، وكلميم (جماعتان)، وطانطان (جماعة واحدة). ومراقبة التسيير بإنجاز 20 مهمة رقابية بجهة فاس - مكناس، على مستوى أقاليم مولاي يعقوب (خمس جماعات)، وتازة (ثماني جماعات)، وتاونات (جماعتان)، وصفرو (جماعة واحدة)، بولمان (جماعة واحدة)، وإفران (جماعة واحدة)، وعلى مستوى عمالة مكناس (جماعة واحدة). وسبع مهمات لمراقبة التسيير بجهة العيون - الساقية الحمراء همت الجماعات الترابية الموزعة على مستوى أقاليم بوجدور (أربع جماعات)، وطرفاية (جماعتان)، والعيون (جماعة واحدة)، بينما أنجز المجلس الجهوي للحسابات لجهة الداخلة - وادي الذهب، في إطار برنامجه السنوي لسنة 2018، مهمتين رقابيتين في مجال مراقبة التسيير شملت جماعتي تيشال وبئر كندوز التابعتين لإقليم أوسرد.

تقارير مجلس الحسابات "مجرد أرشيف"

وبالرغم من أهمية التقارير التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات، فإنه يتم تسجيل قصور في النصوص القانونية المتعلقة بإحالة هذه الملفات على القضاء، وتحريك المتابعة القضائية في حق المتورطين وكذا محدودية الرقابة التي يمارسها قضاة هذه المحاكم لعدم توفرها على قوة الزجر، ما كرس نهب المال العام وسوء تدبيره. وفي هذا الصدد، أكد أحد مستشاري المجلس الأعلى للحسابات، أن الأخير "ليس جهازا لمكافحة الفساد، أو ضابطة قضائية ممتازة"، مشددا على أنه "جهاز يساعد في هذه المكافحة، لكن من خلال ترسيخ آليات الوقاية واستباق المخاطر، وخلق بيئة طاردة للسلوك المنحرف". موضحا أن "أداء المجالس العليا للحسابات لا يقارب انطلاقا من الإحالة على القضاء، وإنما انطلاقا من مدى مساهمة التقارير السنوية في تفعيل الرقابة البرلمانية من جهة، وفي تنفيذ الأجهزة الحكومية لتوصيات المجلس من جهة ثانية، وفي مدى تمثل القوى الحية في المجتمع السياسي والمدني والإعلام من جهة ثالثة لقيم الشفافية والمحاسبة في تدبير المال العام والشأن العام".

صرخة حماة المال العام

من جهته، يرى محمد المسكاوي، رئيس "الشبكة المغربية لحماية المال العام"، أن المجلس الأعلى للحسابات يمثل الجهاز الرقابي ذا الطبيعة شبه القضائية على مستوى صرف المال العام، مشيرا إلى أن الشبكة طالبت بتفعيل دور وتوسيع اختصاصات المجلس وتمكين قضاته من القيام بمهامهم القضائي، على اعتبار أن حجم الأموال العامة التي يتم نهبها أو تبذيرها سنويا في كافة القطاعات والمؤسسات، تتطلب وجود مؤسسات قوية حتى تتمكن من وقف هذا النزيف الذي يؤثر بشكل مباشر وخطير على التنمية الإقتصادية والإجتماعية ببلادنا.

وأضاف المتحدث نفسه قائلا: "إننا في الشبكة المغربية لحماية المال العام نعتبر الوقت قد حان من أجل فتح حوار وطني، لكي يتحول المجلس الأعلى للحسابات إلى قضاء قائم بذاته ومتخصص في مجال الجرائم الإقتصادية، انسجاما مع الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، واستثمارا للتراكم الذي حققه منذ سنة 2002، تاريخ إصدار قانون مدونة المحاكم المالية، خاصة وأن المؤسسة البرلمانية تناقش الآن مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة". داعيا الحكومة إلى الإستثمار المالي في المجلس الأعلى للحسابات، من خلال الزيادة في عدد قضاته وأطره، بالنظر إلى الأدوار الموكولة إليه وتوفير التكوين المستمر بفعل تطور الجرائم المالية، والتفاعل نفسه مطلوب من المؤسسة البرلمانية من خلال دراسة تلك التقارير وترجمة بعض النقائص والثغرات إلى مقترحات قوانين.

فهل ستبقى تقارير المجلس الأعلى للحسابات السنوية طي النسيان ووثائق بدون معنى؟ أم سنشهد حضورها مستقبلا في مختلف محاكم المملكة وتحريك مسطرة المتابعة القضائية في حق المخالفين لها، وكل من ثبت في حقه تلك التجاوزات.

 


إقــــرأ المزيد